Pages

فوائد وثمرات دراسة التاريخ





فوائد وثمرات دراسة التاريخ :
إن فوائد وثمرات دراسة التاريخ والقراءة في كتب المؤرخين الموثوقين كثيرة جداً فمن ذلك : معرفة السنن الربانية قال الله تعالى " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " .

التاريخ يحوي من الحوادث المتشابة والمواقف المتماثلة ما يساعد على كشف هذه السنن التي هي غاية في الدقة والعدل والثبات . قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : " ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا ولولا القياس واطراد فعله وسنته لم يصح الإعتبار بها ، لأن الإعتبار إنما يكون إذا كان حكم الشيء حكم نظيره كالأمثال المضروبة في القرآن " . انتهى ..

فمن خلال دراسة التاريخ يعلم الإنسان أن الحاضر الذي يعيشه إذا كان فيه ما يتصور أنه مخالف لسنة الله الشرعية ، غير مستثنى من السنة الربانية بل هو جزء منها ، ولكن للسنة الربانية أجل ووقت محدد ، فمن السنن الربانية مما له علاقة بتاريخ الأمم والدول والشعوب وعلى سبيل المثال :-

- سوء عاقبة المكذبين : الذين يكذبون بآيات الله ورسله ويظلمون ويعيثون في الأرض فساداً هؤلاء وعدهم الله بسوء العاقبة ، وهذه سنة ربانية ثابته قال الله تعالى : ( وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً ، وعاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً ، وكلاً ضربنا له الأمثال وكلاً تبرنا تتبيرا ) .

- ومن السنن : أن البشر يتحملون مسؤوليتهم في اتباع الخير أو الشر ، فإما أن يرتقوا وإما أن ينحطّوا وقد منحهم الله الحرية والاختيار . " ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " قال الله تعالى " وقلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون " .

- ومن السنن : مداولة الأيام بين الناس ، من شدة إلى رخاء ومن رخاء إلى شدة ، " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين " .

- ومن السنن الثابته : أن زوال الأمم يكون بالترف والفساد " ألم تر كيف فعل ربك بعاد ، إرم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد ، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ، وفرعون ذي الأوتاد ، الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد ، فصب عليهم ربك صوت عذاب ، إن ربك لبالمرصاد " وقال تعالى " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرنها تتدميرا " .

- ومن السنن : أن هلاك الأمم يكون بفشو الظلم وعدم إقامة العدل قال الله تعالى : " وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين " .

- ومن السنن : أن انهيار وزوال الأمم يكون بأجل ، بمعنى لو فعلت أمة نفس ما فعلت أمة أخرى زالت وهلكت بسبب فعلها والسبب في تأخر عقوبة الأول هو أنه لم يأت أجلها بعد " ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون " قال الله تعالى " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً " .

- ومن السنن : استحقاق المؤمنين لنصر الله " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " قال الله تعالى " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " وقال سبحانه " ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " .

هذه بعض سنن الله في تاريخ الأمم وللمتأمل في كتاب الله سيتعرف على غيرها ..

ومن فوائد النظر ودراسة التاريخ وثمراته :
أن التاريخ أصبح أحد الأسلحة التي تستخدم في مجال التوجيه وصياغة الأفكار ونشر المبادئ وتأييدها ، كما أنه أصبح يأخذ دوره في الصراع العقائدي بين الأمم ، ومن هنا كان لابد على أبناء الأمة عموماً وشباب الصحوة خصوصاً العناية بالتاريخ والنظر في التراجم والسير .
هناك غفلة لدى كثير من المسلمين عن أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر ويحيكون لهم المؤامرات وينتظرون الفرصة للقضاء عليهم . أين المسلمون عن التاريخ ؟ مثلاً يوالي كثير من المسلمين اليوم النصارى حتى وصل الأمر إلى إرسال برقيات التهاني والتعازي وغيرها ، أين هم عن تاريخ النصارى ؟ وقل مثله في اليهود ! فإن حصل ميل أو ركون للنصارى أو لليهود كان ذلك دليل على عدم الاستفادة من التاريخ وعدم دراسة واعية له .

وأيضاً من فوائد دراسة التاريخ :
الصبر على المشاق والتصبر على ما يصيب المرء أثناء قيامه بواجبه في الحياة . إذا نظر الواحد منا في سير العلماء والدعاة والمصلحين وما نالهم من الأذى والعذاب في سبيل الله رضى بما أصابه ، وزاده ذلك ثباتاً على الحق ، فلا يسأم ولا يستسلم ولا يتنازل عن شيء ، لأنه عرف من خلال التاريخ أنه ليس لوحده " قتل أصحاب الأخدود ، النار ذات الوقود ، إذ هم عليها قعود ، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود " .
وفي حديث خباب عندما جاء شاكياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يصيبهم من أذى المشركين ، ماذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " لقد كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار فوق رأسه فيشق بإثنين ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون " .

ومن الفوائد ما قاله السخاوي رحمه الله :
 أن فيه من أخبار الأنبياء صلوات الله عليهم وسنتهم ، فهو مع أخبار العلماء ومذاهبهم ، والحكماء وكلامهم ، والزهاد والنساك ومواعظهم ، عظيم الغناء ، ظاهر المنفعة فيما يصلح الانسان به أمر معاده ودينه وسريرته في اعتقاداته وسيرته في أمور الدين وما يصلح به أمر معاملاته ومعاشه الدنيوي . وكذا ما يذكر فيه من أخبار الملوك وسياساتهم ، وأسباب مبدئ الدول وإقبالها ، ثم سبب انقراضها ، وتدبير أصحاب الجيوش والوزراء وما يتصل بذلك من الأحوال التي يتكرر مثلها وأشباهها أبداً في العالم ، غزير النفع ، كثير الفائدة بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله ، وجرّب الأمور بأسرها ، وباشر تلك الأحوال بنفسه ، فيغزر عقله ويصير مجرباً .

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه – طريق الهجرتين – وهو يتكلم عن ثمرات دراسة التاريخ ، قال : وأما السابقون المقربون فنستغفر الله الذي لااله الا هو أولاً من وصف حالهم وعدم الاتصاف به ، بل ما شممنا له رائحة ولكن محبة القوم تحمل على تعرّف منـزلتهم والعلم بها وإن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم ، ففي معرفة حال القوم فوائد عديدة : منها أن يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذاماً لها . ومنها أن يزال منكسر القلب بين يدي ربه تعالى ذليلاً له حقيراً يشهد منازل السابقين وهو في زمرة المنقطعين ، ويشهد بضائع التجار وهو في رفقة المحرومين . ومنها أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلى التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد . ومنها أن هذا العلم هو من أشرف علوم العباد ، وليس بعد علم التوحيد أشرف منه ، وهو لا يناسب إلا النفوس الشريفة ولا يناسب النفوس الدنيئة المهينة ، فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه وتحبه وتأنس بأقله فليبشر بالخير فقد أُهِّل له ، فليقل لنفسه : يا نفس فقد حصل لك شطر السعادة فاحرصي على الشطر الآخر ، فإن السعادة في العلم بهذا الشأن والعمل به ، فقد قطعتِ نصف المسافة فهلا تقطعين باقيها فتفوزين فوزاً عظيماً . انتهى ..

للشيخ الدكتور ناصر الأحمد

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
http://tarhia.blogspot.com جميع الحقوق محفوظة الموسوعة التاريخية الخالدة